وبالطبع يقودنا المدخل العام والمختصر في هذا الموضوع للحديث عن لمحة تاريخية موجزة حول بعض الأجزاء الهامة في المرحلة التاريخية التي تتناول الاستيطان وآفاقه، إذ أن اكتمال حدود هذا الموضوع لا يتم الإحاطة بها ما لم يتم التطرق إلى تسلسل تاريخي مبسط نحرص من خلاله أن يكون مقدمة تاريخية عامة عن الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة محصورة في الفترة التاريخية الواقعة بين عام 1967 وحتى عام 1992، مع العلم أن المراجع في ذلك كانت متوفرة وكثيرة، إلا أننا قد ارتأينا الأخذ بذلك التقسيم الذي توفر لنا من الكتاب الصادر عن المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية "مفتاح" خلال مؤتمر الخبراء الفلسطينيين حول قضايا الحل الدائم بتاريخ 16-18/9/1999، ونتيجة للاختصار الواضح والمفيد الذي تم تناوله من قبل الخبراء عن المراحل التاريخية فإننا نعرضها كاملة وعلى النحو التالي:
الاستيطان الإسرائيلي بين عامي 1967-1992: بدأت الجرافات الإسرائيلية وقبل وقف إطلاق النار بتهجير سكان القرى العربية (يالو، عمواس، بيت نوبا) وتدميرها بالإضافة إلى تدمير جزء من مدينة قلقيلية وبيت عوا. ولكن التدمير الذي أصاب القرى الثلاث كان كبيراً بحيث تم مسحها عن الأرض من أجل السيطرة على ما يزيد عن 58كم2 من الأراضي، وتم إقامة مستعمرة جديدة على هذه الأراضي واستغلالها للزراعة لتبدأ في نفي الوقت عملية هدم حي الشرف في مدينة القدس لإقامة الحي اليهودي. في ضوء السياسة الإسرائيلية آنذاك والتي كانت ترغب بتعديل حدودي مع ضم جزء من الأراضي إلى إسرائيل (القدس، اللطرون، منطقة غوش عتصيون) واعتبار إسرائيل منطقة الغور منطقة آمنة.
الاستيطان الإسرائيلي بين عامي 1967-1974: كانت حكومة حزب العمل آنذاك برئاسة ليفي اشكول، وبعدها غولدامئير قد أقامت تسع مستعمرات في غوش عتصيون وغور الأردن وهي تعادل 82% من المستعمرات التي أقيمت آنذاك وعددها إحدى عشرة مستعمرة وتشكل 8% من مجموع المستعمرات اليوم، ومستعمرة واحدة على أراضي القرى العربية المدمرة (يالو، بيت نوبا، اللطرون)، في حين لم يتم إقامة أي مستعمرة في الضفة الغربية وقطاع غزة في تلك الفترة.
الاستيطان الإسرائيلي بين عامي 74-1977: في هذه الفترة كانت الحكومة العمالية برئاسة رابين قد استثمرت نتائج حرب تشرين في تصعيد السياسة الاستيطانية فأقامت تسع مستعمرات جديدة وهي تشكل 6.5% من مجموع المستعمرات اليوم. وارتفع عدد المستوطنين إلى 2876 مستوطن 0.3% من مجموع السكان في الضفة الغربية. وقد تركز الاستيطان في غوش عتصيون وغور الأردن 6 مستعمرات وهي تعادل 66%، كما أقيمت مستعمرات في منطقة القدس الكبرى ومستعمرة في منطقة الضفة الغربية. ولا ننسى في هذه الفترة بأن الاستيطان في مدينة القدس قد تركز بإقامة الحي اليهودي ومستعمرة التلة الفرنسية، نفي يعقوب، وتل بيوت الشرقية، جيلو، راموت، ورامات اشكول، ومعلوت دفنا.
الاستيطان الإسرائيلي بين عامي 1977-1986: شهدت هذه الفترة تحركاً يمينياً قاده عتاة الليكود ممثلين ببيغن وشامير. فأقيمت ثلاث وأربعون مستعمرة شكلت 31% من مجموع مستعمرات اليوم وارتفع عدد المستوطنين إلى 28400 مستوطن بزيادة بلغت 115% (15176 عدد المستوطنين). وشكل المستوطنون ما نسبته 2.2% من مجموع عدد سكان العرب البالغ آنذاك (1294700)، وقد أقيم 53% من هذه المستعمرات في مناطق مكتظة بالسكان في منطقة نابلس ورام الله و32.5% من هذه المستعمرات أقيم في قطاع غزة وجبل الخليل و14% في غور الأردن ومستعمرة واحدة أقيمت في منطقة غوش عتصيون الموسعة.
الاستيطان الإسرائيلي بين عامي 86-1988: في هذه الفترة ونتيجة للأزمة السياسية في إسرائيل قد تشكلت حكومة ائتلافية من الحزبين الكبيرين حيث تم إقامة سبع وعشرين مستعمرة تشكل 20% من مجموع المستعمرات اليوم وارتفع عدد المستوطنين إلى 69500 مستوطن بزيادة 14% وارتفع عدد المستوطنين إلى 4.4% من مجموع السكان العرب أما منطقة القدس فقد شهدت إقامة مستعمرات جديدة أهمها (بسغات زئيف الشمالية، والجنوبية). أما في منطقة الضفة الغربية فقد أقيم 59% من هذه المستعمرات في منطقة نابلس ورام الله بالقرب من المناطق العربية الكثيفة السكان، 29.6% في قطاع غزة وجبل الخليل.
الاستيطان الإسرائيلي بين عامي 88-1990: استمرت الحكومة الائتلافية الوطنية الإسرائيلية في سياسة الاستيطان فأقيم في هذه الفترة خمس مستعمرات شكلت 3.6% من مجموع المستعمرات وارتفع عدد المستوطنين إلى 81200 نسمة وبلغت نسبة المستوطنين 2% من المجمع العام للسكان بالضفة الغربية.
وقد توزع بناء المستعمرات في هذه الفترة إلى ثلاث مستعمرات في منطقة رام الله ومستعمرة في جبل الخليل ومستعمرة في غوش عتصيون.
الاستيطان الإسرائيلي بين عامي 90-92: اشتدت الحركة الاستيطانية في فترة رئيس الحكومة الليكودي اسحق شامير الذي كان يجسد الفكر الصهيوني الاستيطاني. ففي هذه الفترة تم إقامة سبع مستعمرات شكلت 5% من مجموع المستعمرات اليوم وارتفع عدد المستوطنين إلى 107,000 مستوطن وبلغ عدد المستوطنين 5.3% من المجموع العام لسكان الضفة الغربية. وقد توزعت إقامة المستعمرات في جميع أرجاء الضفة الغربية ما عدا منطقة رام الله، وغور الأردن".(10)
وإكمالاً للسرد التاريخي الذي قسم الاستيطان على عدة مراحل محصورة ما بين عامي 1967-1992 فإننا نورد بعض التقديرات الإسرائيلية التي جاءت عقب عام 1992 حيث "قدرت مصادر الجيش الإسرائيلي عدد المستوطنين في عام 1993
بـ 140 ألف مستوطن منهم 120 ألف مستوطن مؤقت (مثل الطلاب وما شابه ذلك). فيما قال أحد زعماء المستوطنين أن عددهم يصل إلى 130 ألف مستوطن، وفي وثيقة رسمية صادرة عن مجلس المستوطنات قدر عددهم بـ 415,136 مستوطن حتى بداية عام 1994 موزعين على 145 مستوطنة. أما مركز الإحصاءات الإسرائيلي (نشرة إسرائيلية رسمية) فقد ذكر أن عدد المستوطنين بلغ 104,800 مستوطناً يهودياً حتى نهاية عام 1992 منتشرين في 120 مستوطنة في يهودا والسامرة. أما قطاع غزة فقد بلغ عدد المستوطنين فيه 4300 مستوطن موزعين على 14 مستوطنة. ولأن بحثنا لا يتحدث عن أعداد دقيقة فإننا نكتفي بتقدير عددهم بـ 120 ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية وقطاع غزة مشكلين 6.7% من مجموع السكان (1.8 مليون عربي) و2.3% من مجموع سكان إسرائيل".(11)
ومع ذلك لم يتوقف الاستيطان ولم تتوقف الممارسات الاستيطانية التوسعية إلى يومنا هذا، "وفي ظل انتفاضة الأقصى المجيدة المتواصلة التي فتحت النقاش واسعاً حول الاستيطان والمستوطنين وممارساتهم الإرهابية ضد شعبنا، وهو نقاش امتد ليشمل كل الأوساط السياسية والإعلامية والحزبية في إسرائيل نفسها ـ ربما لأول مرة على هذا المستوى من الانفتاح ـ الأمر الذي يدل بما لا يدع مجالاً للشك أن معركة الدفاع عن الأرض في وجه الاستيطان يجب أن تتواصل حتى كنس الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 بما في ذلك القدس الشرقية وتدمير وإزالة البنية الاستيطانية من هذه الأراضي تحقيقاً لقيام دولة فلسطينية مستقلة سيادية عليها خالية تماماً من أي مستوطنة أو مستوطن".(12)